Thursday, September 8, 2011

_لو تركها لدارت إلى يوم القيامة

 

السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ

قصة الأسبوع / الخميس

رَبِّ اغْفِرْ لِيَّ وَلِوَالِدَيَّ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِيْ صَغِيْرَا

اللهمَّ ارْزُقْنا الْفِرْدَوْسَ الأعلى مِنْ غَيْرِ عِتَابٍ ولا حِسَابٍ ولا عَذَابْ

(من عجائب القصص النبوي!!)

عَن أَبي هُرَيرَةِ رَضي اللهُ عَنهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلّـى اللهُ عَليهِ وَسَلّـم قـــال :(أَصَابَ رَجُل حاجَةً ، فَخَرَجَ إلى البَرِّيـّة ، فَقَالتِ امرَأَتُه : اللّهم ارزُقنَا مَا نَعتَجِنُ وما نَختَبِز ، فَجَاءَ الرّجُلُ والجَـفْنَةُ مَلْآى عَجِيناً ، وفِـي التَّـنُّـور الشِّوَاء ، والرَّحَى تَطْحَنُ ، فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ هَذا ؟ قَالَت : مِنْ رِزْقِ الله ،فَكَنَسَ مَا حَوْلَ الرَّحَى ) ، وقَال صَلّـى اللهُ عَليهِ وَسَلّـم:( لَو تـَـرَكَــهَا لَدَارَت _أَو طَحَنَت_ إِلى يَومِ القِيَامَةِ )
أخرجه الطبراني في " الأوسط " ( 2 / 41 / 2 ) و البيهقي في " الدلائل " ( 6 /105 ) وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة 2937


معاني المفردات

أصاب رجل حاجة : أي الفقر والجوع.
الجفنة : الوعاء الكبير الذي يُقدّم به الطعام.
الرحى : حجر دائري يُستخدم يدويا في طحن الحبوب.

التنور : الموقد (الفرن).

تفاصيل القصّة الرائعة

جعل الله هذه الحياة الدنيا مليئةً بألوان المحن والبلايا ، والشدائد والرزايا ،
والتي يجريها سبحانه وتعالى على عباده امتحاناً واختباراً ، ولابدّ من هـذا
البلاء للكشف عن معادن الناس ، فيتميّز الصادق من الكاذب ، والمخلــص
من المدّعي ، والمؤمن من المنافق .

ثم أن سنة البلاء التي أقام الله عليها هذه الحيـاة فرصــةٌ مهمّــة لتربيــة
المؤمنيــن على مـواجهــة المصاعب والمتاعــب ، والإعــداد لتحمّـــل الآلام
والشدائد ، مهما كان نوعها أو بلغت شدّتها ، فلا تذهــب نفوسهم حسـراتٍ
مع كلّ فاجعة تصيبهم ، أو تجزع قلوبـهم أمام كـلّ محنـة تحـلّ بديارهـم،
ولكن يواجهونها برباطة جأشٍ وثبات جنان.

ومن شيم المؤمنين وأخلاقهم إذا نزل بهم قضاء الله وقـدره ، أن يلجـؤوا
إلى الركن الركين ، والحصن الحصين ، ويرفعـوا أكفّ الضـراعة إلـى
خالقهم ، موقنين أن طول البلاء مؤذن بقرب الفرج ، وأن وراء كل محـنة
منحة ، ووراء كـل مصيبة حكمة .

ولعل القصّة التي حكاها النبي صلى الله عليه وسلم مثـالٌ حيّ على
النفوس المؤمنة الصابرة ، الراضية الشاكرة ، المربوطـة بالله سبحانــه
وتعالى في أحوال الدنيا وتقلّباتها ، فاستحقّـت بذلك حصــول الفَـرَج،
واستيفاء الأجر ، على نحوٍ تظهـر فيـه عظمــة الله وقدرتـه ، وحكمتـه
وتدبيـره .

فنحن أمام قصّة رجل مع زوجته ، عضّهما الفقر بنابـه ، ونفد كـل مـا
لديهما من زاد وطعام ، فلم يجدا بُدّاً من الخروج إلى البرّية ؛ علّهما أن
يظفرا بشيء يصلح طعاماً لهما ، ويخفّف من جوعهما .

وطال البحث ، لكن من غيـر طائل ، إذ لم يجـدا شيئـاً ، فقامـت المـرأة تناجي ربّها

تسأل ربها وخالقها , داعيةً أن يرزقهما شيئاً مــن الطحيـن يصنعـون بـه خبـزاً
يأكلانه ، أو يمنّ عليهم بلحمٍ يطبخانه ، ولعلّه لم يدر في خاطرها أن
يكون الفرج الإلهـيّ لهما آية عظيمة يتحدّث بها التاريخ ، ويتناقلها
الناس إلى قيام الساعـة .

عاد الزوجان إلى البيت ، فإذا بهما يريان عجباً : وعاء مُـلئ عجينـاً،
ورحىً تطحن الحبّ من غير أن يحـرّكها أحــد ، وفــرن يفــوح برائحــة
الشواء ، فانقشعت عنهم الغمّة ، وظهـــر على محيّاهما البِشـــر .

وقام الرجل الصالح فكنس ما حول الرّحى من الطحين ، ولو ترك الأمــر
على حاله ، لاستمرّ الحجر في الدوران إلى يوم القيامة، كما أخبر النبي
صلى الله عليه وسلم في خاتمة القصّة .

ومضات من القصّة

عالجت القصّة بسياقها وأحداثها عدداً من القضايا، فقرّرت حقائق مهمّة،
وأرست مباديء قيّمة ، كـي يتربّى المسلم عليها ويعمـل بمقتضاهـــا .

حيث تُظهِر القصّة في المقام الأوّل عظيم قدرة الله تعالى ليزداد المؤمنون إيماناً،
وليعلموا أن شواهد القدرة الإلهيّة لا تنقطــع عنهـــم آناء اللـيل وأطــراف
النهار ، يرونها بجلاء في كلّ ذرّة من ذرّات هذا الكون الفسيح ، لا يملك
أحدٌ إنكارها ، وقد تناولت نصوص قرآنيّة عديدة هذا الجانب مــن صفــات
الكمال الإلهيّ ، وإن مظاهر القدرة الإلهيّة في هذا الحديث بيّنة في تهيئة
الطعام والشراب للزوجين الصالحين من غير سببٍ ظاهر ، ومن خــــلال
الرحى التي كانت تطحن والقدر الذي يَطبُخ من غير حاجة إلى أحــد .

كما تبيّن القصّة أيضاً أن الله سبحانه وتعالى يجيب دعاء المضطرّين ، حين
ينزل بهم البلاء ، وتحلّ بهم الهموم ، وتضيق عليهم السُبُل ، وتتخاذل عنهم
الأسباب إلا باب السماء ، كما قال تعالى ممتنّاً علــى عباده( أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ

 وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) ( النمل : 62)

وفي القصّة إثباتٌ للكرامات التي يجريها الله تعالى على يد عباده الصالحيـن،
وتكون مخالفة لما اعتاده الناس من نواميس الكون وسننه ، إكـراماً لهـم
وتأييداً لحالهم ، وقد تواترت نصوص الكتاب والسنّة على إثبـاتها ، وشـهد
التاريخ على وقوعها ، وإن حصرها فيمن استقام على شرع الله والتزم
حدوده

إذا رأيت الرجل قد يطير *** وفوق ماء البحر قد يسير

ولم يوافق حدود الشرعِ *** فاعلم أنه مستدرج أو بدعي

 ولا يُتَحدى بها بل يلجأ أهل الصلاح إلى إخفائها علامةً على إخلاصهم .

وأخيراً : فعلى المؤمن أن يعظم رجاؤه بالله ، وثقته به ، واعتماده عليــه
فالفرج يحصل سريعاً مع الكرب ، والعسر لابد أن يعقبه اليسر ،فقد وعد الله في كتابه :

 (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)) الشرح

No comments:

Post a Comment